إعلام تحت السيطرة
رغم انفتاح قطاع البث (القانون) وتنويع الصحافة مع ظهور منابر جديدة ونمو القطاع الإلكتروني، يظل جزء كبير من قطاع الإعلام خاضعاً لسيطرة فاعلين اقتصاديين رئيسيين.
حالة قطاع الإعلام المطبوع باللغة الفرنسية
لطالما استهدفت الصحافة الناطقة باللغة الفرنسية نخبة البلاد وكانت موجهة دائماً نحوها. وتظهر دراسة "مرصد ملكية وسائل الإعلام" أن هذا الوضع لم يتغير وأن عدداً من المستثمرين المهتمين يدعمون استمرارية هذه الصحف. ومع ظهور جرائد ناطقة باللغة العربية ذات شعبية واسعة، مثل صحيفتي "المساء" و"الأخبار"، والاستعمال المتزايد للغة الدارجة في المجتمع ، أصبحت الصحف الناطقة باللغة الفرنسية أقل شعبية من أي وقت مضى، لكن تواجدها مستمر بفضل دعم فاعلين اقتصاديين و/أو سياسيين رئيسيين في البلاد.
وتمثل الصحافة المطبوعة باللغة الفرنسية 19.73% من مجموع القراء الذين شملهم الاستطلاع. ومن بين الجرائد الواردة في هذه الدراسة، كانت صحيفة "ليكونوميست" هي الوحيدة التي تجاوزت حصة قرائها 5%، بمعدل مبيعات وصل إلى 12 الف و999 لكل عدد، الأمر الذي يظهر هامشية هذا القطاع من الصحافة المطبوعة من ناحية عدد القراء.
وتتضمن صحيفة »لوماتان«، وهي إحدى الصحف غير الحزبية الناطقة باللغة الفرنسية الثمان التي تم اختيارها، اسم مليونير سعودي ضمن قائمة مستثمريها. بينما يشمل المستثمرون في أربع صحف منها وزيراً حالياً واحداً أو اثنين، وهما الملياردير عزيز أخنوش ومولاي حفيظ العلمي (»لا نوفيل تريبون«، »أوجوردوي لو ماروك«، »لا في إيكو«، و»ليزانسبيراسيون إيكو«). وتظهر المجموعة القابضة الملكية "الشركة الوطنية للاستثمار" ضمن هيكل رأسمال مجموعة »إيكوميديا« وكذلك صحيفة »لا نوفيل تريبون« (بشكل مباشر عن طريق شركة »أوهايو« التابعة لها وبشكل غير مباشر عن طريق مجموعة "التجاري وافا بنك"). ويعتبر السياسي ورجل الأعمال خالد الحريري المالك الأوحد لأسبوعية "تيل كيل".
الاستثمار في النفوذ بعائدات سلبية
بالنسبة لهؤلاء المستثمرين، حتى وإن تجاوزت الاستثمارات العائدات التي تولدها، تظل هذه الخسائر هامشية مقارنة بمداخيلهم من أنشطتهم الرئيسية الأخرى. وينطبق هذا الأمر على "الشركة الوطنية للاستثمار" المملوكة للأسرة الملكية. .
ويعتمد استمرار هذه المنابر بشكل كبير على ارتباطها الوثيق بهيئات مختلفة في السلطة. فباستثناء »تيل كيل«، يركز الخط التحريري لكل واحدة من هذه الجرائد على مواضيع تتعلق بالاقتصاد والأعمال، وهو مصمم لتعزيز الأوضاع وحفظ الاستقرار، بدل التشكيك في النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، أو تهديده (انظر الاقتصاد).
علاوة على ذلك، يقوم فاعلون اقتصاديون مهمون مثل أخنوش والعلمي بالاستثمار في النفوذ المحتمل عن طريق الصحف التي يدعمانها، الأمر الذي قد يعود عليهما بالنفع في مساعيهما المتعلقة بالسياسة والأعمال. ويظهر هذا الأمر بجلاء عند مقارنة الاستثمارات بعدد القراء: فالجرائد المستهدفة ليست من بين الأكثر شعبية. إذن في هذه الحالة، ليس المهم هو عدد القراء، بل المجموعة النخبوية المختارة التي تستهدفها الجرائد المعنية، والتي تحافظ على استمرار هذا النموذج الاقتصادي المتضخم المصطنع كخصوصية تميز الصحافة المطبوعة باللغة الفرنسية.
تحول مستحيل
في حين كان من المقرر أن يختفي احتكار الدولة لقطاع البث عقب عملية التحرير التي انطلقت سنة 2006، تظل أغلب قنوات الإذاعة والتلفزة خاضعة لسيطرتها. وتمثل "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة" المملوكة للدولة، بجميع المحطات الإذاعية التابعة لها، نسبة 26.73% من تركيز المتابعة الجماهيرية و8.67% من جمهور التلفزة، في حين تمثل شركة »صورياد«، التي تملك الدولة حصصاً فيها إلى جانب الخواص، 5.62% من حصة المتابعة الجماهيرية على المحطات الإذاعية وثلث حصة المتابعة الجماهيرية للتلفزة (33%) بقناة تلفزية واحدة فقط. إلا أن نتائجهما الصافية تكشف عن الصعوبات التي تواجهانها، حيث لا يزال عليهما أن تثبتا نجاعة نموذجهما الاقتصادي: فقد بلغ صافي نتائج "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة" 700.000 دولار أمريكي، في حين حققت »صورياد« صافي نتائج بمعدل 6.1 مليون دولار أمريكي.
ومن بين المشاكل الواضحة التي يواجهها قطاع التلفزة في المغرب هو استمرار نموذج الإعلام الحكومي والخط التحريري الضيق الذي يظهر لدى قنوات "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة" وقناة "دوزيم" التابعة لمجموعة »صورياد«.
وفي واقع الحال، ومنذ أصبحت القنوات الدولية متوفرة للساكنة عن طريق الأطباق ومستقبلات الأقمار الصناعية، وبروز قنوات عربية مهمة، كانت القنوات التلفزية المغربية بحاجة للأدوات اللازمة من أجل المنافسة على الساحة الدولية. لكن على العكس من ذلك، ظلت هذه القنوات خاضعة لمراقبة صارمة، الأمر الذي عرقل تطورها خاصة عن طريق دفتر تحملات شديد التقييد. ونظراً لرغبة الدولة في التحكم في التلفزة التي تمثل أكثر المنصات الإعلامية شعبية، فقد اختارت نهج مقاربة حمائية حازمة ووضعت حداً واضحاً للقدرة التنافسية للقنوات الوطنية. وأدى هذا الأمر إلى الحاجة لاستثمار مبالغ أكبر بكثير دون الحصول على أي عائدات إيجابية، حيث نلاحظ اليوم وجود نموذج ضار أظهر محدوديته. هذا وفي الفترة التي تم خلالها إطلاق مشروع "مرصد ملكية وسائل الإعلام"، كانت ثلاث قنوات تلفزية على وشك البدء، أو بدأت بالفعل في الإنتاج داخل المغرب، بينما تقوم بإعادة البث من الخارج، حيث يسمح لها هذا الأمر بتجاوز عملية الحصول على الترخيص من طرف الدولة .
وحتى وإن كان يبدو أن التحول أمر شبه مستحيل وأن أوانه قد فات، يجب اتخاذ قرار بشأن هذا القطاع الذي يستمر في استنزاف تمويل الدولة، حيث تستفيد "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة" لوحدها من 88% من التمويل العام المخصص لقطاع الإعلام ككل، دون إظهار أي عائدات إيجابية أو إمكانية للتحسن مستقبلاً.
ملاحظة: غير حزبية يعني أنها غير مملوكة بشكل مباشر لأي حزب سياسي .