الإطار القانوني
يخضع قطاع الإعلام والاتصال في المغرب لمبدأ توجيهي واحد يتمثل في فرض قواعد صارمة على القطاع الخاص، فيما لا تسري أي منها على القطاع العام.
وعلى شاكلة الدساتير السابقة الصادرة منذ سنة 1962، يضمن دستور 2011 (انظر التاريخ) حرية التعبير وينص على دعم الدولة للقطاع الإعلامي (المواد 25 و27 و28).
القوانين الثلاثة المتعلقة بتنظيم القطاع الإعلامي في المغرب هي:
- القانون المتعلق بالبريد والمواصلات (1997) الذي يضع الإطار القانوني لعملية تحرير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛
- القانون المتعلق بالاتصال السمعي-البصري (2005) الذي ينظم وسائل الإعلام السمعية-البصرية ويضع حداً لاحتكار الدولة للقطاع؛
- مدونة الصحافة والنشر 2016، التي رحبت بها الحكومة واعتبرتها إصلاحاً مهماً لمدونة الصحافة التي تم اعتمادها سنة 2002 وتفعيلاً للحقوق التي كرسها دستور 2011. فعلى سبيل المثال، ألغت هذه المدونة عقوبة الحبس في حق الصحفيين.
وإلى غاية اليوم الذي نشرت فيه هذه الدراسة سنة 2017، لم يتم وضع قانون خاص بالإعلام الإلكتروني. إلا أن مدونة الصحافة والنشر قد تضمنت إطاراً للصحافة الإلكترونية، حيث نصت على امتثال هذه الأخيرة لنفس الالتزامات المفروضة على الصحافة المكتوبة. وبالتالي، يتعين عليها التسجيل لدى الوكيل العام للملك.
لا توجد قواعد محددة بخصوص التركيز العمودي
يخضع هيكل ملكية شركات وسائل الإعلام لموافقة هيئات تنظيمية قبل منح الترخيص أو تجديده، وتمتثل هذه الشركات لنفس القانون التنظيمي كأي شركة أخرى لما يتعلق الأمر برصد الملكية، وذلك من خلال »مجلس المنافسة«. إلا أن صلاحيات هذا الأخير محدودة جداً، وعموماً، ليس هناك أي مؤشر أو طريقة معينة لتقييم تركيز وسائل الإعلام في المغرب.
لا يأخذ التشريع التركيز العمودي بعين الاعتبار، ولكن وفقاً لمدونة الصحافة والنشر، لا يمكن لأي مشغِّل في القطاع السمعي-البصري أن يحتفظ باستثمار في رأسمال أكثر من شركة واحدة تملك وسائل إعلامية مطبوعة. وعلى أي شخص طبيعي أو اعتباري يملك 30% أو أكثر في شركة تملك صحفاً في مجال الصحافة المطبوعة أن يصرح بذلك لـ»لمجلس الوطني للصحافة« الذي لم يتم تأسيسه بعد. وينطبق الأمر نفسه على أي شركة تعمل في قطاع الصحافة المطبوعة وتملك 10% أو أكثر من رأسمال شركة أخرى في نفس المجال.
ولا يمكن لشركات تزويد خدمات الإنترنت أن تملك جزءاً من رأسمال شركة أخرى مماثلة (أنظر الضمانات التنظيمية: التركيز الأفقي).
خلال السنوات الخمس الماضية، لم يتم الإفصاح للعموم عن أي نزاع أو قضية متعلقة بالتركيز الإعلامي أو رفع دعوى بخصوصها أمام القضاء. ولكن يجدر الذكر أن مفهوم المسؤولية الجنائية المشتركة الذي يمكن استخدامه ضد الصحفيين ومدراء النشر والمالكين وأصحاب المطابع في حال ارتكابهم مخالفات في مجال الصحافة (المساس بأمن الدولة مثلاً) لا يشجع على تعددية ملكية وسائل الإعلام الناتجة على التكتلات الاحتكارية.
ولكن هذه القواعد لا تنطبق على وسائل الإعلام المملوكة من طرف الدولة، ولهذا تمثل هذه الأخيرة أهم المالكين لوسائل الإعلام متعدد القطاعات في البلاد (أنظر الضمانات التنظيمية: الإعلام متعدد المجالات).
الهيئات المنظمة
توجد في المغرب سلطة منظمة واحدة لكل مجال إعلامي، ولا يوجد أي نظام لمساءلتها أمام العموم. ويخضع هيكل ملكية كل وسيلة إعلامية لموافقة الهيئة التنظيمية الخاصة بالمجال الذي ينتمي إليه قبل منح الترخيص أو تجديده، كما تخضع هذه الشركات الإعلامية للقانون التنظيمي كأي شركة أخرى فيما يتعلق برصد الملكية، وذلك من خلال »مجلس المنافسة« (أنظر أسفله).
> تأسست "الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات" سنة 1998 بعد المصادقة على قانون الاتصالات سنة 1997، وهي عبارة عن مؤسسة عمومية تعنى بـ:
- إدارة ورصد تخصيص طيف ترددات الراديو من خلال منح الترددات لشبكات الاتصالات العمومية والشبكات المستقلة؛
- تلقِّي كافة الشكايات المتعلقة بالتشويش.
> تأسست »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« سنة 2002 من أجل الإشراف على عملية انفتاح القطاع السمعي-البصري على القطاع الخاص وهيكلته من خلال منح تراخيص البث بطريقة انتقائية. وفي سنة 2011، أصبحت »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« مؤسسة دستورية تعنى بـ"التنظيم والحكامة الجيدة"، ولهذا فهي مسؤولة عن:
- تقديم المشورة للملك والبرلمان والحكومة بخصوص أي قضية مرتبطة بالقطاع السمعي-البصري؛
- تنظيم القطاع السمعي-البصري (بما في ذلك تخصيص التراخيص والترددات والموافقة على المعايير الوظيفية لجهات البث ورصد تنوع الرأي في القطاع السمعي-البصري والمساواة في حقوق التكلم فيما يتعلق بالحملات الانتخابية) واتخاذ القرارات بشأن معايير قياس المتابعة الجماهيرية (أنظر قياس المتابعة الجماهيرية).
> أُنشِئ »المجلس الوطني للصحافة« بموجب مدونة الصحافة والنشر سنة 2016 لتنظيم قطاعي الطباعة الخاصة والإعلام على الإنترنت، ولا تخضع له وسائل الإعلام التابعة للقطاع العام كما لم يتم تأسيسه بعد. إلى يومنا هذا، لا زالت وزارة الثقافة والاتصال تمنح البطاقات الصحافية. وسيكون »المجلس الوطني للصحافة« مسؤولاً عن الوظائف التالية بعد شروعه في تقلد بمهامه:
- تفعيل الصلاحيات الخاصة بالإجراءات التأديبية الداخلية (المادة 46 من مدونة الصحافة والنشر 2016)؛
- اقتراح سحب دعم الدولة لمؤسسة إخبارية معينة (المادة 46 من مدونة الصحافة والنشر 2016)؛
- رصد حقوق التصويت وتقسيمات رأسمال المؤسسات الإخبارية؛
- منح البطاقات الصحافية.
> يُعد »مجلس المنافسة« مؤسسة دستورية مثل »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري«، وتم إنشاءه سنة 2008 لمكافحة الممارسات المعادية للمنافسة وتنظيم المنافسة في السوق المغربية. ولهذا فإن نطاق عمل المجلس لا ينحصر على قطاع الإعلام فحسب. وإلى غاية 2014، كان يُعتبر هيئة تنظيمية غير فاعلة لأن دوره كان استشارياً فحسب. إلا أنه خضع في تلك السنة لسلسلة من الإصلاحات زوَّدته بصلاحية صناعة القرار والتحقيق وفرض العقوبات. وللشركات المعنية بأي قرار صادر عن »مجلس المنافسة« الحق في الطعن في ذلك القرار.
رغم الصلاحيات التي تخول للهيئات التنظيمية فرض العقوبات، فهي ليست بمنأىً عن التدخلات السياسية. ويمكن تفسير هذا من خلال عملية التعيين الاعتباطية للأفراد الذين يشغلون مناصب قيادية داخلها والذين كان لهم أثر على القطاع الإعلامي.
تدخلات تنفيذية وآثارها على التنظيم
كانت »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« الجهة المشرفة على عملية منح التراخيص المتعلقة بالتلفزة والإذاعة بعد نهاية احتكار الدولة للقطاع السمعي-البصري. وفي أواسط 2008، أعلنت الهيئة على طلبات عروض تسمح للمشاريع بالتنافس ليتم عرض أفضلها على قناتين تلفزيتين كانت تنوي افتتاحها (أي عبر منح تراخيص تلفزية جديدة). إلا أن »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« أعلنت عن قرارها المفاجئ سنة 2009، والذي بموجبه لم يتم منح أي رخصة تلفزية جديدة. وبرَّرت الهيئة قرارها هذا بالضغط الذي ستولِّده على المنابر الموجودة سلفاً إذا ما أدخلت منافسين جدد إلى سوق الإعلانات. ولدعم هذا التبرير، أشارت الهيئة للرخصة الوحيدة التي أصدرتها سنة 2006 لصالح قناة »ميدي 1 سات« (المعروفة حالياً بمسمى »ميدي 1 تي في«) التي كانت تعاني من مشاكل مالية آنذاك. وعندما تحولت »ميدي 1 تي في« إلى القطاع الخاص في ذلك الوقت، لم تقم »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« بتقديم أي عرض تنافسي. وفي الوقت الذي تلتزم فيه الهيئة الصمت بخصوص الأسباب التي دفعتها إلى تغيير موقفها، تعرضت حجة قِلة الإعلانات هذه وبالتالي احتمال عدم جدوى قنوات تلفزية أخرى للانتقاد الشديد من طرف مالكي وسائل الإعلام. ولا يمكن مساءلة »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري« من طرف عامة الناس، ولذلك فهي ليست مضطرة للإفصاح عن الدافع وراء رفضها لمنح التراخيص.
هذا وقد تم رصد تدخل سياسي آخر سنة 2016 عندما تعرض المدير العام لـ»لوكالة الوطنية لتقنين المواصلات« عز الدين المنتصر بالله للطرد دون تقديم تفسيرات بهذا الخصوص. وقد حدث ذلك بعد يوم من توجيه »الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات« إنذاراً لشركة »اتصالات المغرب« التي تساهم الدولة المغربية فيها بنسبة 30%.
المراجع:
الموقع الإلكتروني لـ»لوكالة الوطنية لتقنين المواصلات
وصف مهام »الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
الإطار التنظيمي للنظام الإعلامي المغربي: دراسة لصالح »مرصد ملكية وسائل الإعلام« – المغرب 2017